الدهون.. والسكر

لطالما تساءلت بيني وبين نفسي متعجبا عن السبب الكامن وراء الارتفاع غير المسبوق في أعداد المصابين بمرض السكر في السنوات الأخيرة في معظم دول العالم؟!.. وقد قيل: (إذا عرف السبب بطل العجب)، والسبب كما أعلنه فريق من الباحثين في كلية سان دييجو في جامعة كاليفورنيا مؤخرا هو أن (الأطعمة الغنية بالدهون المنتشرة في دول الغرب تزيد من مخاطر الإصابة بمرض السكر، حيث ثبت بالتجربة أن تناول كميات كبيرة من الدهنيات يعوق إنتاج أنزيم يلعب دورا أساسيا في قيام الجسم بإفراز هرمون الأنسولين). لكن هل كل طعام يستخدم فيه أنواع الزيوت أو الدهون يصح أن نتهمه بأنه السبب وراء تزايد الإصابات بمرض السكر بين البشر؟.. كلا بالطبع، لأن معظم شعوب العالم - ومن بينها الشعب البحريني - لديها أطعمة وطبخات شعبية يتناولونها بانتظام، ولو صح أن كل طعام فيه قليل من

الدهون يصيب من يتناوله بمرض السكر لما بقي فرد واحد في طول بلاد الدنيا وعرضها معافى من هذا المرض، لهذا فإن تحديد أنواع الأطعمة المتسببة في جعل مرض السكر (مرض العصر) بلا منازع هو أمر في غاية الأهمية لتفاديها أو التقليل منها قدر الإمكان. الباحثون في مستشفى كينجز كوليدج في لندن أكدوا أن المتهم الرئيسي في هذا المجال هي الوجبات السريعة التي غزت دول العالم قاطبة في السنوات الأخيرة، حيث أثبتت الدراسات التي أجروها على بعض المتطوعين أن المواظبة على تناول الوجبات السريعة لمدة شهر واحد فقط تؤدي إلى آثار مدمرة على الكبد، وأن خطرها لا يقف عند زيادة الوزن. فقد أعطى الباحثون مجموعة من المتطوعين كميات كبيرة من الوجبات السريعة بانتظام لمدة أسبوعين فاكتشفوا ارتفاع مستويات إنزيمات الكبد في دمائهم إلى ثلاثة أضعاف بعد مرور أسبوع واحد من بدء التجربة، وهو أمر لا يحدث إلا عند الأشخاص الذين يتعاطون كميات كبيرة من الخمر أو المصابين بالتهاب الكبد من النوع (ج)، فضلا عن بلوغ الزيادة في أوزانهم حوالي 30 رطلا بعد انقضاء الأسبوع الثاني. منذ سنوات طويلة كان يعمل معي في الجريدة أحد الإخوة المصريين، وكان يبلغ من العمر حوالي 45 عاما ومصابا بمرض السكر، وحين سألته عن السبب في إصابته بهذا المرض وهو مازال شابا أجابني بأنه كان يعمل خلال فترة الدراسة الثانوية في أحد مطاعم (الشاورما) في القاهرة خلال المساء، وكان طوال ساعات عمله التي تناهز خمس ساعات كل ليلة (يتسلى) بأكل شرائح (الدهن) المشوية التي يتم وضعها في طبقات سميكة في أعلى (عامود الشاورما)، وأنه لم يكن يعلم أن هذا التصرف الخاطئ سيؤدي إلى تدمير خلايا البنكرياس والتأثير على الكبد. وحين سألته: ألم يحذرك أحد من هذا الأمر؟ أجابني بالقول: ذات مرة كنت أجهز ساندوتشات الشاورما لإحدى السائحات الأوروبيات وكانت عجوزا تجاوزت الستين من عمرها، وحين رأتني أتناول شريحة من ذلك الدهن المشوي وأبتلعها صرخت مذعورة وقالت لي: هل جننت؟ إنك لن تصل إلى سن الأربعين إلا وأنت مصاب بمرض السكر لا محالة، فضحكت من قولها ولم أدرك ساعتها أن للدهون كل ذلك التأثير القاتل. الهدف من هذه القصة ومن ذكر نتائج الدراسات والبحوث حول أضرار تناول الدهون هو تنبيه القراء إلى أننا نتسبب في إصابة أنفسنا وأطفالنا بأمراض عديدة قاتلة بسبب قلة المعرفة بأخطار العديد من أنواع الأطعمة التي تدخل إلى بطوننا، خاصة الوجبات السريعة التي باتت تشكل نوعا من الإدمان لدينا جميعا وبخاصة أطفالنا الذين صاروا يعتبرون الذهاب إلى مطاعم الوجبات السريعة نوعا من الترفيه والتسلية المحببة إليهم، وهم لا يعلمون ولا نحن نعلم أننا نقدم لهم بأيدينا سموما تهدد حياتهم!

بقلم الدكتور

صلاح فؤاد عبيد